===================================
قصيدة الطين التي أصبحت خالدة في الشعر العربي مسروقة من الشاعر (على الرميثي العنزي ) الذي عاش
عام (1830) وهذه الادله :
لو قيل لي أن شاعراً خليجياً ( أو أي عربي ) سرق معاني من شاعر (آخر) لصدقت , ولو قيل أن شاعراً شعبياً
سرق قصيدة لشاعر شعبي آخر لما تعجبت من الأمر لأنه يحصل بشكل يومي , أما أن يسطو شاعر (فصيح)
على شاعر شعبي فهذا لايمكن تصديقه لأن الأول يعيش ( بالمهجر) والثاني مات منذ البداية .
الأمر أبعد من أن يصدق بهذه السهولة , إلا أن مايجب التذكير فيه هو أن الأرض العربية كانت قبل ( قرن )
من الزمن أرضا لكل العرب لكل منهم حرية التنقل والحركة وكانت (القبائل ) تتنقل طلباَ للكلأ ..والماء
حتى جاء من منّ علينا بمكرمته الفذة ( وخط لنا على الرمال حدوداً لايستطيع أن يتخطاها أحد ).
إلى بأمر أو موافقة فتفرق الشمل وتشتت الأخوة وحمل كل منهم ( جنسية ) و(هوية ) غير مغايرة لأخيه
في تلك الأثناء أي قبل المكرمة ( الأنكلوفرنسية ) كان العرب من أبناء المدن يمارسون مهنة التجارة مع البادية
وطالما حديثنا عن الشعر فما يهمنا هو الشعر والشعراء .
يقول ( توفيق أبو الرب ): أن كثيراً من ( اللبنانيين ) كانوا يتجرون مع (البدو) مطلع هذا ( القرن)
ومنهم على سبيل المثال والد ( جبران خليل جبران ) زعيم ادباء المهجر , إذن أن صديقة (ميخائيل نعيمة )
يذكر لنا في كتابة عن (جبران) أن والده كان بتاجر مع (البدو) وأنه كثيرا ما يصحب جبران وهو صغير
كما ذكر أن جبرا يحفظ بعض (الشعر البدوي ) وأنه كان معجباً بمقطوعة بدوية كان كثيرا مايتغنى بها
ومطلعها ( يازين في درب الهوى ضعنا ) !!
اما ( روكس العزيزي ) والذي كان أول من أثار هذه القضية فيقول : ( ثبت لدينا أن والد (إيليا أبو ماضي)
كان يتجر مع ( البدو ) أيضاً .. ) وقبل أن نتحدث عن موضوع السرقة لابد لي من تقديم إضاءة صغيرة
بخصوص علاقة ( الشعر الفصيح ) بالشعر الشعبي ,ألا وهي اعتقاد البعض بصعوبة النقل من الفصيح إلي
الشعبي أو العكس وهذا الكلام غير دقيق وإليكم هذا المثال
قال الشاعر الفصيح :
ماذا أقول له لو جاء يسألني ……إن كنت أكره وإن كنت أهواه
ماذا أقول إذا راحت أنامله ……تلملم الليل عن شعري وترعـاه
ويقول الشاعر الشعبي :
شرد أقل له لو إجا يسألني مره ……إن جنت أحبه لو ما أحبه
شرد أقل له لو يلملم ليل شعري ……مره بايدينه ويذبــه
وأنا لا أرى بالأمر غضاضة عندما يقوم شاعر شعبي بتحويل قصيدة فصيحة إلى اللهجة بقصد الدعابة أو الفن
لقد (شعبن ) محمد بن لعبون ومجايلوه الكثير من الشعر الفصيح لأبناء عصرهم .
أما أن يقوم الشاعر أيا كان بالسطو على قصائد شاعر آخر مهما كان السبب من دون الإشارة إليها فهذا
من ( المآسي ) والجرائم التي لاتغتفر , وإن كانت القصيدة الفصيحة ستجد آلاف المدافعين عنها لن تجد القصيدة
الشعبية من يدافع عنها لان الشعر الشعبي مازال كنزاً مدفوناً لايعرفه إلا أبناء وأبناء حيزه أما من تفصله عنهم
حدود ولهجات واللغة لايعرفون ماهو الشعر الشعبي.
تقول القصة :-
أن الشاعر ( على الرميثي العنزي ) والذي عاش في عام (1830) تقريباً على الرغم من شاعريته وروعة مظهره
كان فقيراً معدماً فيما كان له إبن عم يدعى ( سالم ) من أثرياء عشيرتة وزعمائها وفي أحد الأيام (غزى )
سالم الرميثي ومعه ابن عمه (علي ) وفي أثناء المعركة (جرح ) سالم وفرّ عنه رفاقه إلا ابن عمه (علي) حمله
وهرب به وعالجه إلى أن شفي فأصبح سالم مدين لعلي بحياته , وصادف أن احب الرجلان (فتاة) وتنازعا عليها
فاختارت الفتاة ( علي) على الرغم من فقره ورحلت معه ثم مالبثت أن ماتت ومرت الأيام فزاد فقر علي ولجأ إلى
ابن عمه في ليله باردة مثلجه وجلس ( بالشق ) المكان المخصص للرجال الديوان غير أن ابن عمه كان حاقداً عليه
لم يلتفت له ولم يقم بأبسط واجبات الضيافة حسب الأعراف والتقاليد حتى أنه لم يقدم له طعاماً فأثر في نفس علي
وقال قصيدة رائعة هي موضوع كتابتنا هذا اليوم ثم حدث أن قدم شاعر ( مهجري ) يعني مهاجر قصيدة تشابهها
تماما فأتم ( السرقة ) إلا أنه قال الشاعر المهاجر ( ينبغي أن يخلقها غير خالقها أي بادية الشاعر علي وفي غير مكانها
حتى يصير أن تخرج منها قصيدة خالدة على الدهر مثل قصيدة ( الطين ) التي ليس لها إخت ولا ضرة في الشعر العربي
كله قديماً وحديثاً ) إنه الشاعر ( إيليا أبو ماضي ) ..أليس هذا إعترافاً ضمنياً اذا ماثبتت عملية السرقة بأن القصيدة
الشعبية تحمل في داخلها مقومات خلودها ولولا ذلك لما إهتم بها الشاعر .
وهذه القصيدة بيت ( لعلي الرميثي ) يليه بيت ( لإيليا أبو ماضي ) ولكم الحكم :
يقول الرميثـي : يااخوي ما إحنا فحمةٍ مابها ضي ……ولا إنت شمس ٍ تلهب الدو بضياه
يقول أبو ماضي : يااخي لاتمل بوجهك عني ……ماأنا فحـمة ولا أنت فرقــــد
الرميثـي: لاصار ماتاكل ذهب يوم تبلى ……يااخوي وش نفع الذهب يوم تقناه
أبو ماضي: أنت لاتأكل النضار اذا جعت ……ولا تشرب الجمان المنضـــد
الرميثـي: ملبوسك من البز في يوم تبلي …… مثل الأكفان لميتٍ طال مشحاه
أبو ماضي : أنت بالبردة والموشاه مثلي ……في كسائي الرديم تشقى وتسعد
الرميثـي: المنوة اللي في ضميرك تلوي……لي مثلها ياشين بالقلب نهواه
أبو ماضي : لك في عالم النهار أماني ……ورؤى والظلام فوقك ممتد
الرميثـي: نحلم احلوم يوم من ثم نرضي……وتمر يوم السعد مابان ماطاه
أبو ماضي : ولقلبي كما لقلبك احلام ……حسان فأنة غير جلمـد
الرميثـي : ودموعنا ويا الضحك فية سلوى ……متماثله ياشين ليصار بتلاه
أبو ماضي: لا فهذي وتلك تأتي وتمضي ……كذويها فأي شيء يؤبـد
الرميثـي: يوم الرياح تناوشك ليه تلوي ……والترف يوم يفارقك ليه تشهاه
أبو ماضي: ايها المزدهي إذا مسك السقم ……الا تشتكي الا تتنهـــد
الرميثـي:كليتنا للترب نمشي ونحيا …….ولاتوهمك يالضبع نفسك بمشهاه
أبو ماضي: أنت مثلي من الثرى وإليه ……فلماذا ياصاحبي التيه والصـد
الرميثـي: هذا القمر والشمس والنجم ……ونجومكم مثل الخرابيش تنصاه
ابو ماضي: النجوم التي تراها أراها ……حين تخفي وحين تتوقـــد
الرميثـي: الله ياكلب كنت للناس منصي…….حتى العشا في مخومسك مالقيناه
أبو ماضي: بينما الكلب واجد فيه مأوى ……وطعاما والهر كالكلب يرفــد
الرميثـي: الثلج يذري والسواعير تضوي ……هبيت ننصي العبد والله ننساه
أبو ماضي: ذدتني عنه والعواصف تعدو……في طلابي والجو أقتم أربـــد
الرميثـي: أنت ماثمرت تسقط وتبلى …….وتراب قبرك سافي الريح يسفاه
أبو ماضي: إن قصرا سمكته سوف يندك ……وثوباً حبكته سوف ينقــد
وبعد كل هذا يأتي (ميخائيل نعيمة) ليقول : إنني أعرف إيليا أبو ماضي وأعرف كيف ولدت قصيدة ( الطين )
من بدايتها واؤكد انه لاإيليا ولا ابوه ولا أنا نفهم شياً من هذا الشعر البدوي.
أما إيليا فيقول : نحن لانستغرب ان تعرض لأي إنسان افكار كالتي تعرض لنا فإن الحياة واحدة في كل مكان وإن
إختلفت المظاهر ولكن الجو الذي خلق قصيدة ( الطين ) غير جو البادية .
والجدير بالذكر أن ( أحمد زكي أبو شادي) أعلن ذات يوم أنه إكتشف أبو ماضي سرق قصيدة (هي) من شاعر
إنجليزي يدعى ( انتوني وونر ) .
أما أنتم فما رأيكم بما عرض هنا هل هو سرقة أم مجرد توارد خواطر كما قال أبو ماضي
في الختام اقول بكل صراحة غربلوا الشعر الشعبي وستجدون مئات الأبيات وفد (تشعبنت ) وغربلوا الشعر الفصيح
ستجدون آلاف الابيات الشعبية وقد ( تفصحنت ) وعزائنا الوحيد اننا كمن يسرق نفسه فيضع في جيبه اليمنى
ماسرقة من جيبه اليسرى وطالما أن ماسرق ظل بالجيب فلا بأس من تجول اللصوص بيننا لانهم يجعلوننا أكثر يقظة
وحذراً لكنوز الإبداع التي نجهل .