لعبة الموت - التفحيط
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله الذي خلق فسوى .. وقدر فهدى .. وأمات وأحيا .. وأغنى وأقنى .. الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى .
والصلاة والسلام على عبده المصطفى .. ورسوله المجتبى .. وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى .
أما بعد
السيارة نعمة من نعم الله ، وأي نعمة .. فكم قضت من حاجة .. وكم أسعفت من مريض .. وكم أغاثت من ملهوف .. ناهيك عن الطاعات والقربات من سير إلى المساجد .. أو حج وعمرة .. أو بر والدين .. أو صلة رحم .. أو عيادة مريض .
ولقد أشار الله إلى هذه النعمة المتجددة .. أعني نعمة وسائل النقل .. قبل ألف وأربعمائة سنة فقال سبحانه : ( وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم . والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق مالا تعلمون ) .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله : " ويخلق ما لا تعلمون مما يكون بعد نزول القرآن ، من الأشياء التي يركبها الخلق في البر والبحر والجو ، ويستعملونها في منافعهم ومصالحهم " انتهى كلامه .
إنها نعمة عظيمة .. تستوجب شكرَ المنعم سبحانه .. وتسخيرَها فيما يحبه ويرضاه .
لكننا في هذا الزمان رأينا والله .. كيف يحوّل بعض شبابنا هذه النعمة إلى نقمة .. رأيناهم بالموت يلعبون .. وبالأرواح يغامرون .. وبالأبرياء يضحون .. وللأموال يبددون .
إنها لعبة الموت .. تفحيط وتطعيس .. وتربيع وتخميس .. وجنون وتهويس .
وفي هذا اللقاء .. أنقلكم أيها الأحبة إلى مشاهدَ مروعة .. وأحداثٍ واقعية .. يوم أن يتلاعب شبابنا بالموت .
نعم .. الموت الذي يأخذ أربعة آلف ومائتي إنسان سنوياً في هذه البلاد بسبب الحوادث المرورية .. ففي عام واحد .. تقول الإحصائيات أربعةُ آلاف ومائتا حالة وفاة.. وألف ومئتا إعاقةٍ دائمة .. وثمانية آلاف إعاقةٍ مؤقتةٍ سنوياً .
وقد ازدادت الحوادث المروية في المملكة خلال عشر سنوات فقط بنسبة أربعمائة بالمائة .. وخلال ثلاث وعشرين سنة بلغ عدد المصابين في حوادث المرور بالمملكة أكثرَ من نصف مليون مصاب .. توفي منهم ستون ألفَ إنسان .
إنها أرقام مخيفة .. يقف وراءها ظواهر سيئة كالسرعة وقطع الإشارة والتفحيط وغيرها .
ظاهرة التفحيط .. ظاهرة مرعبة .. لكنها عند بعض شبابنا مجرد لعبة .
إنها لعبة الموت .. فما هي ظواهرها عند شبابنا .. وما واقعها في شوارعنا .. ثم ما هي آثارها .. وما حكمها شرعاً .. وما دوافعها وأسرارها .. وما هو العلاج منها .
هذا ما سنتعرض إليه في هذه المحاضرة بمشيئة الله .. ثم نختم بحوار طريف بين مفحط ورجل مرور .
ولنبدأ بالعنصر الأول من هذه المحاضرة وهو :
1) مظاهر التفحيط ، وواقعه بين شبابنا :
ماذا يفعل هؤلاء الشباب في الشوارع ؟ وما الذي يدور خلف الكواليس ؟
شاب متهور .. يقوم بحركات قاتلة .. يصوب سيارته إلى مجموعة من الجماهير .. التي اصطفت يميناً وشمالاً .. في الطرقات .. وبعد المباريات .. وعند المدارس والساحات .
يشجعون ويضحكون .. ولكن .. سرعان ما يندمون ويبكون .
ويلقب المفحطون أنفسهم ، أو يلقبهم غيرهم بألقابٍ غريبة .. أحدهم لقب نفسه ليمونة .. والآخر كازانوفا .. قشطة .. الشبح .. العقرب .. فروج ..آمري يا كامري .. الزين يطلب .. وآخر يلقب بالـخنزير .. أكرمكم الله ..
هذه الألقاب تكون وسيلة لشهرتهم بين الشباب في الأحياء ، وصعوبة معرفتهم من رجال الأمن أو من أقاربهم .
واشتهر المفحطون .. حتى بلغ الحال ببعض شبابنا أن يدفعوا لهم المبالغ الطائلة .
يقول أحد المفحطين : " كان بعض الناس يؤمنون لي السكن والرحلات في مقابل التفحيط .. وفي يوم من الأيام .. قابلني شاب في شارع التخصصي .. يقود سيارة فخمة .. وقال لي : هذا مبلغ خمسة آلاف ريال .. بدل مواصلات وبنزين ( كما يقول ) .. بشرط أن تفحط عندنا .. ثم تقف وتسلم علينا ويركب معك واحد منا .. حتى يعرف الجمهور أنك من شلتنا " .
وإذا قبض على المفحط ثم خرج من السجن .. أقام له رفاقه الاحتفالات .. واستأجروا الاستراحات .. وقد يدعون إليها المغنين في جلسات على المحرمات .. فرحاً بخروج هذا البطل من السجن .
ويحدثني أحد الشباب الموقوفين في مرور الرياض .. يقول " مع توفر الجوالات .. أصبح الشباب يتناقلون الأخبار .. أن المفحط المشهور سيفحط في الشارع الفلاني .. وفي بعض الأحيان يعجز جوال المفحط عن الاستقبال بسبب كثرة المتصلين عند الموعد " .
وهناك مواقف وأوقات تمثل مناخاً خصباً لهذه الظاهرة .. كالمباريات .. والتجمعات .. وأوقات الامتحانات .. حيث ينتشر الطلاب بعد الامتحان ما بين مفحط ومتفرج .
لقد فتن كثير من شبابنا بهذه الظاهرة .. فأصبحوا يتفننون في أنواع الحركات .. من تربيع وتخميس .. وسلسلة واستفهام .. بل وحركة الموت .
وحركة الموت عندهم أنواع ، منها ما حدثنا به أحد المفحطين الموقوفين بالمرور ، يقول عن هذه الحركة : بعد أن تصل السرعة إلى المائة والثمانين أنطل السيارة المرة الأولى ، ثم الثانية للجهة الأخرى ، وأترك السيارة تمشي بسرعتها على الجنب حتى تتوقف ، وكم حدث بسبب هذه الحركة من الحوادث والوفيات .
وأما النوع الآخر من حركة الموت ، فهو والله أشبه بالجنون .. ينطلق المتحدي من جهته بأقصى سرعة ، ثم يقابل المتحدي الآخر وجهاً لوجه .. والجبان هو من ينحرف عن الآخر .
وقد يكون كل منهما شجاعاً فتقع الكارثة .. كما ذكر لي أحد المسؤولين في المرور ، وقال : كان آخر ضحايا هذه الحركة شابين قبل أيام .. توفي أحدهما في الحال .. ونقل الآخر إلى الإنعاش .
ومع ممارسة التفحيط ، وتشجيع الشباب ، يصاب المفحط بالإدمان ، كما يقول أحدهم عن التفحيط : لهو ثم هواية ثم إدمان .
بل وحتى الركاب يصابون بالإدمان .. يحدثنا أحد المفحطين أن اثنين من الشباب ركبا مع أحد المفحطين .. ونجاهما الله من الموت في حادث مروع .. وفي اليوم التالي ، يقول : رأيتهم يبحثون عن مفحط آخر ليفحط بهم .
ومن العادات السيئة التي ظهرت مؤخراً .. التجمعات والمواكب في الشوارع .. عشرات السيارات تجتمع سوياً وتدور في الشوارع بسرعة واحدة .. وغالباً ما يتقدم المسيرة أو التجمع سيارة أو سيارتان تقومان بالتفحيط أمام الموكب .
هذا هو جزء من واقع هذه الظاهرة بين شبابنا .. ولعل أخاً كريماً يعترض ويقول : : لماذا كل هذا الخوف والتحذير ؟ أنتم كل شيء عندكم حرام وممنوع ؟
فأقول : إليك أيها المبارك العنصر الثاني من المحاضرة وهو أضرار التفحيط .
العنصر الثاني : أضرار التفحيط :
أيها الأحبة .. للتفحيط آثارٌ وأضرارٌ خطيرة على الشاب والأسرة والمجتمع ، أول هذه الأضرار :
1ـ قتل النفس .. الموت وكفى به ضرراً .
فالمفحط وهو يقوم بهذه اللعبة .. يغامر بروحِه التي يحيا بها ..وحواسِّه التي يشعر بها ..وأطرافِه التي يتحرك بها .
لعبة الموت .. كم أزهقت من روح .. وكم فجرت من جروح ..إنها مسرحية الانتحار .. فكيف يرضى العاقل أن يقتل نفسه .. أو يَشُلَّ جسده .
ومن المؤسف أن أول من يتبرأ من المفحط عند وقوع الحادث رفقاؤه الذين يركبون معه ، أو يشجعونه .. فيتركونه يصارع الموت ويهربون .. وقد يعود أحدهم لأخذ جواله ولا يفكر في مساعدة رفيقه المصاب .
في أحد شوارع الرياض .. يقوم أحد المفحطين المشهورين بالتفحيط .. وبعد لحظات تصطدم سيارته بأحد الوايتات .. وفي حادث مؤلم تدخل السيارة تحت الوايت فيموت الشاب في الحال ، وينقل الشباب الذين معه إلى العناية المركزة .
وهذا أبو حبل ، أحد المفحطين ، يحدثنا بعد إيقافه ، يقول : كنت أركب مع أحد المفحطين .. فحلف علي أحد أصدقائي المقربين أن أنزل ويركب هو مع المفحط .. فقلت : والله ما أنزل .. فحلف علي ثانية حتى نزلت .. ثم ركب مع المفحط .. وبعد شوط واحد وقع عليه الحادث فمات .. فتأثرت كثيراً لفقد هذا الصديق .. وكرهت التفحيط من تلك اللحظة .
وفي مستشفى النقاهة .. وقفت على شابين من ضحايا التفحيط ، مصابين بالشلل النصفي .. أدخل الغرفة .. فإذا بالمنظر المؤلم .. على السرير الأيمن ، شاب .. عمره يوم أن دخل المستشفى عشرون عاماً .. ثم أمضى بعد الحادث أحد عشر عاماً على السرير .. قد انثنت أطرافه .. وانحرفت رقبته .. وشلت حركته .. فلم يبق له من الحركة سوى نظرةٍ بالعين .. والتفاتةٍ يسيرة بالعنق .. نظر إلي .. فتغيرت ملامح وجهه .. كأنه يريد أن يعبر لي عن شعوره .. لكنه لا يستطيع الكلام .. حاولت أن أتكلم معه .. فعجزت أن أخرج كلمة واحدة .. لم أجد إلا أن أرفع أصبعي إلى السماء .. لعلي أذكره رحمة رب العالمين .. الذي لا يضيع أجر الصابرين .
ثم التفت إلى السرير الآخر .. وإذا بالمصيبة الأخرى .. شاب دخل المستشفى وعمره أربعة وعشرون عاماً .. أمضى في المستشفى بعد الحادث ثماني سنوات .. كان بجوار هذا الشاب أحد الممرضين ، معه وعاء فيه طعام سائل .. كيف يأكل هذا الشاب ؟ رأيت الممرض وهو يقوم برفع السائل بالملعقة .. فإذا وصلت إلى فم الشاب المسكين حرك شفتيه ليشرب .. ثم ينتظر الملعقة الأخرى .
هكذا يعيشون .. بعد أن فقدوا حياتهم .. إنهم أموات في صور أحياء .. أسأل الله أن يلهمهم الصبر .. ويعظم لهم الأجر .
هذه أحوالهم .. فإن لم تتعظ وترتدع .. فزرهم .. فليس من رأى كمن
ليمونة والقشطة والعقرب والشبح والخنزير أسماء الشهرة لمفحطي الرياض
ترنيمات غير مفهومة تجمعهم في منتديات الإنترنت
الرياض: عبد العزيز الشمري
«هات الطا، اركب الكا، وين التا»، قد لا تكون هذه الجملة مفهومة إلا أنها ترنيمة يرددها المفحطون في السعودية فيما بينهم وتعني «هات الطاقية، واركب الكامري، وين التفحيط»، ويردد المفحطون هذه العبارات عند رغبتهم في التجمهر لمشاهدة التفحيط أو ممارسته، وكذلك عند تجمعهم في منتدياتهم الخاصة التي تجمعهم في شبكة الإنترنت.
وفيما يتعلق بأسماء المفحطين، فعادة ما يطلقون الأسماء المستعارة على أنفسهم أو يطلقها عليهم أقرانهم كرمز للتخفي عن رجال المرور وأولياء الأمور، ومن أشهر هذه الأسماء أبو «زقم»، ولم يجد المفحطون حرجا عندما يطلق أقرانهم أسماء «ليمونة» و«كازانوفا» و«الخنزير» و«القشطة» و«الشبح» و«العقرب» و«آمري يا كامري» و«الزين يطلب».
وحول دوافع التفحيط، كشفت دراسة حديثة للدكتور سليمان الدويرعات من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن هناك 9 أسباب رئيسية لممارسة التفحيط بين المراهقين والشباب، وكان من ضمن الأسباب ضعف الإيمان الذي يتمثل في إيذاء الناس غير المبرر ودلالة على عدم الاكتراث بسلامة وممتلكات الآخرين، والسبب الثاني وهو حب الظهور والشهرة والذي صنفه الباحث كأهم الأسباب التي تدفع الشباب لممارسة التفحيط طمعا في تهافت المعجبين على المفحط، ويقول أحد المفحطين «أفحط لتزداد شهرتي وسمعتي عند الشباب لذا قمت بسرقة سيارة وتم القبض علي».
وكان حب المغامرة أحد الأسباب الأخرى التي تدفع الشباب لممارسة التفحيط لإثبات الذات، خاصة في مواجهة الصعاب وركوب المخاطر، وكذلك الفراغ الذي يعتبره البعض انه سبب رئيسي كونهم من العاطلين عن العمل والفاشلين في الدراسة، بالإضافة إلى محاكاة رفقة السوء الذين يوقعون أقرانهم في كثير من السلوكيات السلبية والتصرفات والمصطلحات المتداولة بينهم، إضافة إلى ضعف رقابة الأسرة، والتأثر بوسائل الإعلام والألعاب الإلكترونية كأفلام المطاردات والعنف وأشرطة «البلاي ستيشن» التي تجعل الأطفال والمراهقين يتنافسون في التفحيط. ومن دوافع التفحيط في السعودية الترف وعدم تقدير النعمة، خاصة عندما يحصل الشاب على سيارة من دون بذل أي مجهود شخصي في شرائها، وأنه يعلم أن سيارته إذا تحطمت سيمتلك سيارة أخرى بمباركة والده، وكان دافع المراهقين للتفحيط محاولة خلق علاقات شاذة مع الأحداث.
وتوصل الباحث من خلال استعراض آراء عدد من أولياء الأمور ورجال المرور ومجموعة من الشباب المفحطين وغير المفحطين إلى 4 حلول للتصدي لظاهرة التفحيط، وجاء الحزم والشدة في التعامل مع المفحطين أحد الحلول المطلوب تطبيقها من شرائح مختلفة في المجتمع السعودي من خلال وضع أقصى العقوبات، ويرى البعض تجريم من يرتكب مخالفة التفحيط الذي تنتج عنه وفيات أو إصابات بليغة، واعتبار ذلك شكلا من أشكال القتل العمد، في حين يرى غالبية المفحطين المراهقين أن المفحط المراهق لا يستحق العقاب ولا يؤيدون سجنه.
ويرى الباحث ضرورة توفير خط هاتفي ساخن في كل حي بالرياض (130 حياً سكنياً)، حيث انه توجد في كل حي شوارع وميادين يمكن أن يستغلها المراهقون في التفحيط، على أن يكون أهالي الأحياء مشتركين في المراقبة، وبعدها يتم تسيير دورية جاهزة لمتابعة المفحطين وضبطهم.
وأوصت الدراسة بتفعيل برامج التوعية بشكل تعم جميع قطاعات المجتمع، وأن يخصص خطباء الجوامع خطبة واحدة في العام للحديث عن مخاطر التفحيط وإثم مرتكبيه، وكذلك مشاركة اساتذه الجامعات والمدارس.
وطالبت الدراسة بإعداد أماكن مخصصة لرياضة التفحيط، كما يقترح أولياء الأمور ورجال المرور والشباب من غير المفحطين، إلا أن المفحطين يعتقدون التفحيط مسألة شخصية لا تضر بأحد ولا يؤيدون ممارسة التفحيط خارج النطاق العمراني أو تخصيص مكان مستقل.
وتمثل الحل الأخير لتصدي ظاهرة التفحيط في إنشاء مطبات اصطناعية في الأماكن البعيدة أو التي يصعب على رجال المرور الوجود الدائم فيها.